يعد أدب الاستقلال أو “أدب ما بعد الاستعمار” Postcolonial literature فريدًا من نوعه كونه أدبًا غازيًا للغازي ذاته، مستعملًا سلاح الغازي الأكثر فتكًا… اللغة؛ لغة الغازي (la langue de l’envahisseur) كما تقول آسيا الجبار.
في النقاط التالية أهم أساليب الكتابة الغازية لدى جمايكا كينكايد -وهي كاتبة أمريكية أنتيغوية سوداء معاصرة- التي يجب أن يكون القارئ على دراية بها:
- عندما تقرأ لكينكايد، لا تستطيع أن تحدد جنس العمل الأدبي الذي تقرأه، لأنه ببساطة كل الأجناس الأدبية مجتمعة داخل فسيفساء نصية غريبة متكونة من الشذرات والرسائل والمنلوجات والذكريات الشخصية وقصائد الشعر والخواطر، مما يخلق لديك إحساسًا بالضياع وحدها كينكايد قادرة على انتشالك منه.
- تستعمل الكاتبة أسلوب التكرار بغية تحطيم مسار تطور الأحداث أو بما يعرف بتليولوجيا التاريخ الموجودة في كتابات الغازي “الأبيض”، خالقة مسارا دائريًا يوروبروسيًا لامتناهيًا يرتكز على التأجيل الديريداوي رابطة في نفس الوقت الشذرات ببعضها البعض مقوضة ومعوضة جدلية هيغل (dialectics) صاحبة المقام الأوروبي الرفيع ومتطورة المسار بما يسميه كامو براثوييت (tidalectics)؛ أي الجدلية “المد-جزرية” دائرية المسار.
- أسلوب آخر معتمد لدى كينكايد هو ما يمكن ترجمته بنسيج النص أو النصية الداخلية (Intratextuality)، وهو أسلوب يقوم على ترميز فكرة أو حدث ما في عمل وفك رموزه في عمل آخر (ديفيس وفايدو 13) لتجنب وضع نهاية لنسق الأحداث. مثلًا: في مناورة مع نفسها وخلق نوع من الصوت والصدى النصي، قامت كينكايد في فسيفسائها “آني جون” بفك رموز ما قامت بترميزه في “في أسفل النهر”.
- في نفس السياق، قامت كينكايد في كتاباتها باستعمال أسلوب التناص من كتاباتها والصياغة على نسق كتاباتها والاقتباس من كتاباتها متجادلة مع الموروث الأوروبي في محاولة لاختلاق أدواتها الخاصة في التعامل مع لغة الغازي.
- في جمعها لأجناس أدبية شتى في عمل واحد، تقوم كينكايد بامتلاك الميزات البنيوية للحكاية الشفوية الأنتيغوية متخذة دور الراوي التقليدي؛ أي الحكواتي، أو دور ما يعرف في “زراعة العظام” للهايتية إدودج دانتيكات -وهي كاتبة سوداء معاصرة أيضًا- بشاعرات المطبخ، وهنّ نسوة يجتمعن في المطابخ لسرد حكايات عن ماضيهن وتراثهن.
- وأخيرًا فإن أساليب كينكايد المعقدة لا تعبر عن شيء بقدر تعبيرها -كما تقول فرجيسون- عن “واقع الحياة الاعتباطية والمعقدة في ظل الغازي” (32، بتصرف)، الذي اتخذ من لغته أداة لطمس اللغة الأم للمستعمرات وقطع ألسنة أبنائها لكي لا يتمكنوا من سرد معاناتهم وكتابة تاريخهم، فيخلق إلى جانب أزمة الأرض أزمة لغة أو كما يقول ديريدا “أزمة أحادي اللغة” crisis of the monolingual الذي لا يتحدث بطلاقة لغة من يغتصب أرضه.
إن أدب الاستقلال بالرغم من أساليب المقاومة الفجة التي يتخذها لمقارعة الغازي بأم لغته ممتلكًا إياها من خلال تلغيمها بكل ما يخص ثقافته، يظل ينضح بالآلام والأنين والمرارة، ولكنه يبقى وثيقة استعمار للغة المستعمِر بكسر الميم من قبل المستعمَر بفتحها يقول فيها صاحب الميم المفتوحة قول كاليبان لبروسبارو في مسرحية “العاصفة” لشكسبير: “لقد علمتني لغتك لكي ألعنك بها” (الفصل 1. المشهد 2)، ولكنه يبقى استعمار من ورق.
شكراً
شرح رائع
رائع